لم أكن يوما مشجعة للعبة كرة القدم ولم أر على عكس الملايين في الساحرة المستديرة مايدفعنى لعشقها ومايجعلها أثيرة عندي .. ظلت علاقتى بها سطحية هامشية لا أتابعها بتركيز ولا بشغف إلا في حالة مباريات هامة لمنتخبنا القومى ، وإن لم يتعد الاهتمام إلى أكثر من معرفة نتائج المباراة ، مشاركة فرحة الفوز أو ألم الخسارة ، بقدر لا يقارن بالطبع مع أولئك المتابعين بشغف وبكل ذرة من كيانهم لكل تفصيلة بتلك المباريات.
ولا يختلف بالطبع حالى مع نادى الزمالك الذى أنتمى إليه عن حالى مع المنتخب .. ليس لأن تشجيعي للفانلة البيضاء جاء بالصدفة أو بالأدق بالوراثة ، بحكم تشجيع شقيقيّ له ، قبل أن يصيبهما الضيق من خسائره المتوالية لينصرفا عنه لناد آخر .. بينما ظللت أنا متمسكة بقوة بانتمائى للزمالك ، ربما لأنى لم أتعرض مثلهما لنفس الضغوط، فلم تكن تمثل لى هزيمة الزمالك سوى لحظات قصيرة سرعان ماتمر ، دون تلك الحالة من الإجهاد والضغط والتوتر والضيق التي تصيب أولئك المشجعين بقوة والمتابعين بجدية للمباريات لدرجة استنزاف وحرق للأعصاب ، كنت أرى أن نصيبى من معارك الدنيا لا يتحمل مزيدا من تلك الضغوط والتوترات .. أو ربما لأنه من الصعب عليّ التخلي عن قناعاتي وانتماءاتى حتى لو كانت لفريق كرة قدم ، وبالأخص إذا ماكان يتعرض لكثير من الهزائم .. فتبنيت مثل ملايين من مشجعيه المقولة الاثيرة "سنظل أوفياء" ورضيت بان أكون واحدة منهم .
مع ذلك ظلت علاقتى بالكرة محدودة جدا ، وظل تشجيعى للزمالك بالانتماء فقط وليس بالمتابعة ومعرفة التفاصيل ، بل كنت أجهل حتى أسماء لاعبيه ولا أدرى شيئا عن مستواهم وكفاءتهم .
ربما تكون المرة الوحيدة التي أشعر بها بمتعة الكرة عندما مارستها على سبيل التسلية مع إبنى عندما كان صغيرا ، محاولة منى لإرضائه ومشاركته لعبة تستهويه ، فى ردهة منزلنا .. شعرت أن اللعبة ليست مجرد ركلات من هنا وهناك لكنها تحتاج لعقل واع وتفكير وحسابات وخطط فضلا عن لياقة ومهارة وأن العقل فيها يفوق سرعة وحركة القدم وأنه المسيطر على كل تفصيلة فيها.
لم يكن ذلك الاكتشاف البديهى أيضا دافعا لعشقى للكرة ، ولم يكن بالطبع كافيا لجعلى واحدة من متابعيها .. وظلت علاقتى بها هامشية.
لم يشغلنى كثيرا جهلى وعدم شغفى بتلك اللعبة لسنوات عمرى الطويلة ، وإن بدأ شعورا بالتقصير ينتابنى بعدما لاحظت شغف حفيدى "مازن" بها .. أذهلنى بمعرفته لأسماء اللاعبين العالميين وفرقهم وأصولهم وأدوارهم في الملعب وخبراتهم وكفاءتهم .. فضلا بالطبع عن تشجيعه الحماسي للنادي الأهلى.
لم أفلح في مجاراته ووقتها فقط شعرت أن هناك ثغرة يمكن أن تحول دون تواصلى مع حفيدى الأثير ومشاركتى له في كل مايهمه ويشغله ويمتعه.
رغم قوة الدافع لم يتغير موقفى كثيرا ولم يصبنى سحر المستديرة وبرئت منه تماما ، باستثناء القدر الضئيل الذى يجعلنى فقط على دراية بنتائج المباريات الهامة ، فأتمكن من مجاراة حفيدى وأتجنب شعورى بالحرج منه.
لا أعرف تحديدا ما الذي دفعنى لمتابعة بعض مباريات مونديال كرة القدم المقام بقطر الآن .. ربما كانت البداية إستجابة لطلب ابنى مشاركته متابعة مباراة المغرب وكرواتيا التي أدى فيها المغرب أداء رائعا وانتهى بصعوده لدور الستة عشر .. وسط حشود المتحمسين جلست لأجدنى دون أن أدرى أشاركهم نفس الحماس ، نفس القلق ، نفس التوتر ، تزداد ضربات قلبى إذا هدد الفريق المنافس شباكنا .. وأكاد أقفز فرحا إذا ما نجح أحد الأسود المغاربة في مناورة الخصم بمهارة عالية .. يزداد إعجابي بقوة حارس المرمى ويبهرنى الأداء الرائع والجمل الكروية التي ينقلها كل لاعب للآخر بعدما يبث فيها كل مايستطيع من مهارة وإبداع وحرفنة تشى بإحترافية وتمكن وتفوق مذهل جعلنا لأول مرة نشعر بأنه ليس مستحيلا أن "الكرة تتكلم عربى" وتحقق نفس القدر من الإبهار والتألق.
واصل المغاربة إبهارنا في المباراة التي لعبها فريق الأسود ضد إسبانيا ، بعدما فازوا بثلاثة ضربات ترجيحية مقابل لا شيء .. للأسف حالت ظروفى الصحية دون متابعتى لتلك المباراة وإن لم تفتنى بالطبع متابعة البرامج الرياضية التي تناولتها بالتعليق والتحليل.
يبدو أن شيئا من سحر المستديرة مسنى بقدر لا بأس به .. أسرعت بكل حماس لمتابعة مباراة المغرب والبرتغال ، سبقت إبنى هذه المرة كى أتمكن من حجز مقعدين في مكان متميز بمسرح النادى حيث تبث فعاليات المباراة ، كان القلق هو المسيطر عليّ هذه المرة. قدرت أنها ليست مباراة سهلة وأن الفوز ربما يكون صعب المنال ، فقط راهنت على أداء مبهر ، ولم يخذلنا الأسود رغم ضغوط لاعبى البرتغال الذين لم يكونوا بالطبع أقل مهارة وهددوا شباك المغرب أكثر من مرة ، توقفت فيها أنفاسى رغما عنى لتعود بعدما أتأكد أن الكرة لم تحتضن الشباك.
ارتفعت صرخة النصر وتعالت الأيادى بالتصفيق وقفزت الأجساد في الهواء في لحظة فرحة كنا في حاجة إليها جميعا لتخفف ولو قدرا بسيطا من قبضة شرنقة الأحزان التي تلف أرواحنا المتعبة المستنزفة الشريدة.
لم تكن فرحتى بفوز المغرب وإنبهاري بأداء لاعبيه الرائع فقط ما بث فيّ تلك الدفعة من الأمل والثقة بأن لاشيء مستحيل على العرب إذا ماخلصت النوايا وصدق العزم وأخلصت النية .. ففرحى الأكبر كان لرفع الأعلام الفلسطينية وهتافات الجماهير الداعمة للشعب الفلسطينى .. ورفضهم التواصل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية ليكتشف إعلاميو الكيان أنهم منبوذون من الشعوب العربية وحقيقة الادعاءات الكاذبة التي يروج لها ساستهم عن استعداد هذه الشعوب للتطبيع مع إسرائيل .. اكتشفوا أنهم مرفوضون ومتجاهلون ومزدرون من تلك الشعوب.
عظم تلك الرسالة وأهميتها هي في الحقيقة التي جذبتنى لمتابعة أحداث المونديال. لم يمسنى سحر كرة القدم إلا بالقدر الذى لعبت فيه على أوتار العروبة وحركت أواصر القومية العربية ودعمت فيه القضية الفلسطينية وأثبتت للجميع أنها ما زالت حية في ضمير ووعى الشعوب وأنها أبدا لن تموت.
----------------------------
بقلم: هالة فؤاد